إياكم والرضا عن أنفسكم - سيدي أبو بكر البناني

قال الشيخ أبو بكر البناني الشاذلي الدرقاوي في رسائله:

اعلموا إخواني وفقكم الله أن الله تبارك وتعالى ما قبض رسول الله حتى أكمل به الطريق وبين التحقيق بحيث لم يترك لذي مقال مقالاً ولا لذي حال حالاً، فما من قول أو فعل أو وصف أو حال جميل إلا وقد بينه وأمر بفعله، وما من قول فاسد أو عمل أو حال كذلك إلا وقد بينه وحذَّر منه وجعل له مصرفاً حسبما اقتضاه قوله: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ولا نعلم وصفاً جامعاً لمكارم الأخلاق مثل مخالفة الهوى والإقبال على الله بنعت صدق الدعوى.

فالخلق العظيم الذي مدح الله به نبينا الله له هو الإعراض عن الكونين لاستغراق همه بحب الله تعالى. وما عظمه الله سبحانه هو العظيم حقيقة، وأي وصف أو خلق يضاهي الاشتغال بالله والغيبة فيه سبحانه؟ فالخلق العظيم الكريم هو مخالفة الهوى ومحبة المولى لا غير، فمن كان في هذه الدار مشغولاً بنفسه، نعني بما تطلبه من الشهوات والأغراض، فهو في الآخرة مشغول بنفسه، نعني مشغولاً بعتابها وبما رمته به من الدواهي وهذا هو الخلق السيء. ومن كان في هذه الدار مشغولاً بربه، نعني مستغرق الهم والهمة فيما يقتضيه الحق سبحانه منه من مكارم الأخلاق التي تحقق عبوديته لربه، فهو في الآخرة مشغول بربه، نعني مشغولاً بما يمنحه من رفع الحجاب ودوام النظر إلى وجهه.

فأيقظوا أنفسكم من الغفلة لما يوجب تزكية الأعمال وتصفية الأحوال حتى تبلغوا منازل الرجال ، فإن الخاسر حقيقة من فاتته معرفة الله سبحانه في هذه الدار شغلاً بما تهواه نفسه. وإياكم وخدعة الشيطان وتلبيسه عليكم من حيث ما يسوله للإنسان ويقول له: أنت العارف بالله، وأنت ولي الله، فإن هذا هو المكر الكبير والعياذ بالله. بل كونوا دائماً على أنفسكم ولا تغتروا بما هي عليه ولا بما يبدو منها من الانقياد إلى الطاعات فإن ذلك أدنى حيلها وخفي مكرها، فإن بدا لكم شيء مما ذكرنا فاستعيذوا بالله سبحانه وكم أخذت من الرجال بهذه الحيلة ولكن والله ما أخذتهم إلا لكونهم لم يصحبوا الفحول الذين سلكوا على أيدي الفحول، فإياكم والرضى عن أنفسكم حتى لا تتهموها.

وأوصيكم إخواني بالتقليل من العوائد فإنه مفتاح الفوائد، ويرحم الله فرد الوجود سيدي محمد البوزيدي الغماري إذ يقول: إن شئتم أن نقسم لكم أنه لا يدخل على الله من فيه علاقة، فاقللوا من العوائد كي تقلّ العوائق والعلائق وتكثر الفوائد، وعليكم بالجمع فإنه مفتاح لكل مهمة ديناً ودنيا والله تبارك وتعالى يجمع قلبنا عليه والسلام