التخلي للتجلي - سيدي أحمد زروق

قال سيدي أحمد زروق في شرحه الخامس عشر على الحكم عند قوله: كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟

صور الأكوان تماثيلها الحسية والمعنوية، والأكوان أنواع المخلوقات دقت أو جلت. والانطباع في الشيء الظهور فيه مع الثبوت. ومرآة القلب بصيرته التي تتجلى فيها الأمور حسنها وسيئها.

ولما كان القلب مفردا بجميع وجوهه . لم يتمكن تعلقه إلا بشيء واحد في الوجهة الواحدة؛ فإذا علته ظلمة الأكوان منعته من إشراق نور الإيمان. ثم كان منعه على حسب ما علاه مما عراه، وإذا أشرق فيه نور الإيمان نفى عن وجوده ظلمة الأكوان، فهما إذاً لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ ولذلك عجب المؤلف من اجتماعهما؛ فافهم.

وأنواع الانطباع ثلاثة : أولها بطريق الاعتقاد والاستناد وعلامتها وجود الاعتماد؛ فإن كان على الحق؛ فهو من بساط النور والحقيقة، وإلا فعلى العكس. الثاني من طريق الحب والشغف، وعلامته الإيثار من غير توقف ولا علة ؛ فإن كان لجناب الحق؛ فهو نور وإلا فهو ظلمة ومحظور. الثالث : من طريق الشهوة والهوى؛ وعلامته الطلب بالتعلل والميل بالترسل؛ فإن كان مخالطا بالحق كان الحكم له؛ وإلا فهو عقال.

والرحلة إلى الله تعالى الانتقال عما لا يرضاه إلى ما يرضاه، بل الخروج عما منك إليه بما منه إليك، بل إفراد القلب له عن كل شيء سواه بترك دواعي الطباع وردي العوائد والتعلق بجنابه لا لعلة حتى تصير الحظوظ حقوقا بوجود القصد وصحيح النية؛ وإنما شبه الشهوات بالكبل لمناسبته لها من ثلاثة أوجه، أحدها: أنها مانعة من النهوض معنى كمنعه منه حسا لاستلذاذها والشغل بها، الثاني: إن أمكن النهوض معها كانت مثبطة مبطئة عن الإسراع بالالتفات إليها؛ الثالث على تقدير الإسراع ؛ فلا يؤمن العثار معها؛ بل هي مضمنة به لأنس النفس بها ولذلك تركها الأكابر لا لذاتها.

ومرجع ذلك لأن الشهوات داعية الغفلة ابتداء ودواما؛ ولما كانت من نتائجها ألحقت بها وضعا كما لحقت بها حكما . إذ على تقدير الرحلة والوصول هي مانعة من الدخول إلى حضرته والله تعالى أعلم.