أنا المحب والحبيب ما ثم ثاني - سيدي علوان الحموي

قال سيدي علوان الحموي في شرحه على تائية سيدي ابن الفارض عند قوله:

فكن بصرا وانظر وسمعاً وعِ وكن لسانا وقل فالجمع أهدى طريقة

يعني: اجعل نفسك معزولة عن إدراكاتها، ولا يكن إدراكك لمعنى من المعاني المستفادة من حواسك إلا بمحبوبتك، تكن فانیاً عنك باقيا منك بهاً مجموع الشمل عندها، فتُمدَّ من مقام: "فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق".

فكأنه يقول: اجعل محبوبتك حقیقتك، فإن السمع والبصر واللسان، وإن أفاد كل منها ما هو بصدده من الإفادة، فلا إدراك إلا للنفس؛ إذ هي المحبة بجملتها دون البصر والسمع واللسان، فكما أن المدرك إنما هو النفس في مقام التفرقة، فلا ترى المدرِك إلا نور المحبوبة في مقام الجمع.

ولك أن تحمل كلام النظم على أن مراده: کن عند مشاهدتك لجمالها بصراً؛ يعني: شاهدها بجملتك وكل جزء من أجزائك، وكذلك عند سماع مناجاتها كن كلك سمعا، وإذا نطقت بها عنها كن كلك لسانا، وهذا لا يدرك في التفرقة إنما يدرك بنور الجمع كما قيل:

إذا ما بدت ليلى فكلي أعين وإن هي ناجتني فكلي مسامع

ثم قال:

فصرت حبيباً بل محباً لنفسه وليس كقول مرّ نفسي حبيبتي

فصرت حبيبا يعني : محبوبا لها، ثم ترقی عن المحبوبية لما فيها من الثنوية إلى التوحيد باعتبار استهلاكه في وجودها وفنائه في شهودها، فلم يبق له اسم ولا رسم معها، فكن الشاهد المشهود والمحب المحبوب، وتحرز في قوله "ليس كقول مر نفسي حبيبتي" لأن نفس المحجوب حبيبته في شهود وجود عرضي قائم بغيره، فكانت الغيرية مشهودة بل عنده موجودة، وهذا مقول بلسان الجمع بارز من عين الوحدة، والغيرية مفقودة فلا غير أصلاً، وإنما هي عين أزلية أبدية تتجلی بما لها.