العلم اللدني المخصوص بالسادة الصوفية - سيدي زين الدين الخوافي

قال الشيخ زين الدين الخوافي، من مشايخ الطريقة السهروردية، وهو مؤسس فرع الزينية من الطريقة المذكورة:

اعلم أن الملكوت غيب الشهادة، والجبروت غيب الملكوت، واللاهوت غيب الجبروت. فإذا أراد الحق سبحانه أن يطلع خواص حضرته على الأسرار الجبروتية الفائضة من أسرار الحضرة اللاهوتية، المكتوبة المدخرة للأمناء العارفين والأولياء الصديقين، يقيم أرواحهم في حضرة الجبروت على وصف التثبيت والاستقرار لمعرفة تلك الأسرار، حتى استعدت بالتثبت وعدم التلاشي للخواص في بحر العلم الإلهي الأزلي الأبدي، طلباً للزيادات التي لا نهاية لأعدادها، ولا غاية لإمدادا، وينفذ البحر دون نفاذها، فلما خاضوا ذلك البحر، واستخرجوا نفائس جواهر المعارف، وعزيز درر العلوم المكتومة، تداركتهم الألطاف بالتعريفات لمواضع الإظهار عوناً لقلوب الأخيار، ومواقع الإخفاء صوناً عن عقول الأغيار.

فإذا أقبلوا بقلوبهم المنورة بأنوار الأرواح المخصوصة بمعرفة تلك الأسرار المكتومة على كتابه العزيز، الذي هو المظهر والمرآة التي تنجلي فيها تلك الحقائق، ويرى منها كمال تلك الأسرار، وجدوا تحت كل حرف عجائب، وفهموا من كل كلمة غرائب من المخاطبات الشريفة والإشارات اللطيفة، فانطلقت ألسنتهم بالحكم والمعارف المطابقة لما شهدوه، الموافقة لما عاينوه، فازدادوا تحقيقاً على التحقق، وأيدوا بالتأييد والتوفيق، فهم الراسخون في العلم، وهم الكاملون في الفهم نفعنا الله بهم ببركتهم ورزقنا فهم إشاراتهم.

واعلم أن حصول العلوم المخصوصة بالصوفية لقلوبهم هو أن أرواحهم لما ذابت واستغرقت في مشاهدة الحق سبحانه، وتجردت من الوجود، لم تصلح أن تكون أوعية للعلوم، لأن العلوم تستعدي وجوداً تتعلق به، ولكا كان للقلوب وجهاً إلى الأرواح ووجهاً إلى النفوس، أفاضت الأرواح على القلوب أنواراً بها استعدت وتهيأت لإدراك العلوم، والكون أوعية لها، والقلوب بالوجه الذي لها إلى النفوس انجذبت إلى التنزل واكتسب ملابس وجودية صلحت بها لأن تكون أوعية العلوم.

والعلوم مثبتة في اللوح المحفوظ، منتقشة فيها من الحضرة الإلهية، وبينها وبين تلك العلوم مناسبة انفصالية، إذ العلوم انفصلت دون فصل من الحضرة الإلهية، وأعني بانفصالها انتقاشها في حضرة اللوح المحفوظ، وانفصال القلوب أيضاً عن الأرواح دون فصل، وكذلك ظهرت القلوب بالنفوس وظهر وجود العلوم باللوح، فاتصلت القلوب باللوح فتألفت العلوم المثبتة في اللوح فصارت أوعية لها وللأسرار المخصوصة بها، وهي القلوب المنورة بأنوار التجلي المكتومة عن أنظار العلوم والأفكار.