قال سيدي محمود أبو الشامات في شرحه على الحكم العطائية، عند قوله: فاقتك له ذاتية وورود الأسباب مذكرات لك بما خفي عليك منها والفاقة الذاتية لا تدفعها العوارض.
أقول: إن الفاقة هي تمام الاحتياج ونهاية الفقر، وهي أمر ذاتي لكل مكون، لأن المكون لا وجود له من نفسه ولا بقاء له من نفسه، بل وجوده بالإيجاد وبقاؤه بالإمداد، فالذلة والافتقار أمر ذاتي للمكوّن لا انفكاك له عنه، لكن ريما يغفل العبد في بعض الأوقات عن شهود ذلك، فجعل سبحانه وتعالى ورود الأسباب مذكرات بما خفي عليه منها ليتيقظ من غفلته وينتبه من رقدته ويرجعه إلى مرتبته التي هي الفاقة، مع أنه ما برح عنها وما انتقل منها، لكن حجب عنها بعوارض إشراق شمس الوجود الحق وكمالاته على أرضه المظلمة. والحاصل أن ما يحصل للسالك من دعوى الأنانية من ذات أو من صفة أو اسم أو فعل أو حكم فهو أمر جاءه من طريق العرض والفاقة الذاتية لا تدفعها العوارض، وأما غير السالك فمن باب أولى لأن دعواه محض زور ودعوى السالك بمثل هذا غرور.
ثم إن الشيخ المؤلف قدس سره خاف على السالك من رجوعه بالكلية إلى مقام العبودية وانسدال الحجاب بينه وبين الربوبية المشرقة عليه والنازلة إليه لذلك قال: "خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك وترد فيه إلى وجود ذاتك".
أقول: إن خير أوقاتك يا أيها السالك وأشرفها وأسعدها وقت تجمع فيه بين شهود فاقتك فيه، "وترد فيه" أي بذلك الوقت مع شهود احتياجك وفقرك "إلى وجود ذاتك" فتكون بذلك جامعاً بين العبودية والربوبية، عارفاً مقامك وقدرك وخلقك وحقك، لا يحجبك العدم عن الوجود ولا الوجود عن العدم، ولا الفقر عن الغني ولا الغني عن الفقر، ولا الذلة عن العزة ولا العزة عن الذلة، وهكذا بقية أسماء العبودية والربوبية.
وفي بعض النسخ: "وترد فيه إلى وجود ذلتك" أي فقرك، فيكون معنى الحكمة: خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك أي احتياجك إلى نعمة الإيجاد وترد فيه إلى وجود ذلتك أي فقرك إلى نعمة الإمداد.