قال سيدي محمد وفا الشاذلي قدس سره:
العوالم ثلاثة: عالم الملك، وهو مركوز في حيثيات الحس، وهم المشاعر الخمس، والحس المشترك هو البرزخ المشترك بين الملك والملكوت. والملكوت هو العالم الثاني، وهو مركوز في حيثيات العقل وهي المشاعر الخمس الباطنة كالوهمية والمخيلة والحافظة والذاكرة والفكرية والعقل المشترك هو البرزخ الوسط بين الملكوت والجبروت. والجبروت هو العالم الثالث وهو مركوز في الإحاطات الخمس: القلب ، والفؤاد ، والروح ، والسريرة ، والسر الغريب.
والوسط المختار هو البرزخ بين الوجوب المطلق والجبروت، الوسط المختار هو العبد المحمدي الكامل، عرش الرحمن، يبطن فيه بالقدرة، ويظهر عنه بالتجلي، ويتصرف بالاختيار؛ لأن الوجوب المطلق يفيض بالذات، وهذا العرش هو العرش العظيم. فإذا انكشفت حضرة الرحمن كان هذا هو العرش المحيط الجامع لهذا النظام في غيبه وعينه وبنيته، كما ورد: "خلق الله آدم على صورته". ومن طريق آخر: "على مثل صورة الرحمن".
واعلم أن العرش المحيط هو الذي تحته مثال كل شيء، وله وجهتان" وجهة أزلية واجبية رحمانية عالمية، ووجهة أبدية ممكنية رحيمية سميعية. والوجهة الأولى: العقل الإلهي، والوجهة الثانية العقل الطبيعي. الأول بالعلم والثاني بالإدراك. والقوة العاقلة هي العرش الكريم، نقطة الوسط بين الإحاطتين، وذات الشخص والعين، والظل والمثال، والكيف والأين، وله وجه وقفا، وأمام ووراء، فإن قابل الإحاطة الأبدية استغرقته المظاهر الإمكانية، فشهد كونه فيها بالفرق، وانعكس ظله بصفات الأمر والخلق، ووجه الأزل عنه استتر، فيقال عنه: حجاب التوحيد ، ومرآة التكثير والتعديد. وإذا واجه الإحاطة الأزلية انكشف عنه حجاب الثنوية، وشهد في مرآة كشفه الأحدية، بأسمائه الربانية وصفاته العلية، ولذلك قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "القلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن"