الإيمان الحقيقي بالله ولله - سيدي سعد الدين الحموي

قال الشيخ سعد الدين الحموي، قدس سره:

اعلم أن الإيمان الخالص، والإسلام الخالص، والعمل الخالص، إنما يكون خالصاً بأن يومن العبد لله تعالى بالله تعالى، لا بنفسه، وأن يسلم وجهه لله تعالى بالله تعالى. ثم اعلم أن الإيمان ألفان، وياء، وميم، ونون: فالنون إشارة إلى النفس، والميم إشارة إلى مراداتها، والياء إشارة إلى النسبة والإضافة، والألف الساكن إشارة إلى إعراض النفس عن جميع مراداتها وعن جميع النسبة والإضافة، والألف إشارة إلى إقبال العبد المؤمن إلى الله في جميع الأحوال بإعراض النفس عن المرادات والنسب والإضافات.

وهذا الإيمان هو الذي يكون بالله تعالى لا بالنفس، فلا جرم يكون إيماناً خالصاً. وإعراض النفس عن مراداتها عبارة عن تركها، وإعراضها عن النسب والإضافات عبارة عن ترك إضافة الشيء إلى نفسه أو إلى غيره، بل ما صدر عن نفسه أو من غيره يضيفه إلى الله تعالى. ولهذا المعنى كان الإعراض عن المرادات والنسب والإضافات إيماناً بالله تعالى، ألا ترى أنه لو أضاف شيئاً إلى نفسه أو إلى غيره أثبت لنفسه ولغيره القدرة والإرادة والفعل والتصرف، وعند ذلك أثبت لله تعالى شركاء، فلا يكون مؤمناً بالله تعالى إيماناً خالصاً من الشرك، قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}، أي يؤمنون بالقول ويثبتون له الشرك بالعمل والمقابلة والمجادلة.

واعلم أن المؤمن هو المقبل على التجلي بكل وجوده بواسطة الوجود المطلق، وهو الله سبحانه وتعالى، نور السماوات والأرض، فلو كان مقبلاً على التجلي بنفسه، حتى لو كان بكل وجوده، كان إقباله مجازياً فلا يكون مؤمناً حقيقياً، ولا يمكن الإيمان بالله تعالى إلا بالله تعالى.

واعلم أن التجليات الإلهية قسمين: قسم من قبيل الباطن، وهو الخطابات الباطنة الواصلة من الله تعالى إلى العبد، وقسم من قبل الظاهر بروابط ووسائط، فمن أضاف ما وصل من الله من قبل باطنه إلى نفسه وقال أنا فقد بهت وقذف الألوهية وادعاها، ومن أضاف ما وصل من الله من قبل ظاهره فإلى الوسائط فهو زور منه وأثبت لغيره تعالى الربوبية فافهم.