التوحيد جامع للعلم والعمل والحال - سيدي أبو بكر البناني

قال سيدي أبو بكر البناني في رسائله:

اعلموا وفقكم الله إن ما تطلبونه من العلم ليس هو مقصوداً لذاته، بل هو وسيلة إلى العمل الذي هو برهان على صفة العبودية، إذ العلم يميز وصف العبد من وصف ربّه، وإذا تميزت الأوصاف كان العمل برهاناً على الاعتراف بالعبودية والانسلاخ من الحرية.

وليس العمل أيضاً مقصوداً لذاته، بل هو وسيلة إلى الحال الذي هو التحقق بكمال التخلي عن وجودك، وليس الحال أيضاً مقصوداً لذاته بل هو وسيلة إلى الغيبة في محول الأحوال إذ العارف لا حال له مع الله كما قال أبو يزيد رضي الله عنه.

وفي بحر التوحيد انطمست جميع المقامات، وفي هذا المعنى قال الواسطي: لا تصح المعرفة وفي العبد استغناء بالله تعالى أو افتقار إليه. قال القشيري في تفسير مقالة الواسطي: لأن الاستغناء والفقر من أمارات صحو العبد وبقاء رسومه لأنها من صفاته، والعارف ممحو في معروفه فكيف يصح له ذلك وهو لاستغراقه في مشهوده مختطف عن إحساسه بكل وصف هو له اهـ.

فنتيجة العلم إنما هي تخليص وجودك من الأوهام حتى يحصل لك الفناء في وجود الملك العلام والمعتبر هو الحال لأنه هو الذي يلحقك بالرجال وكل قول أو فعل لا يؤيده الحال فهو صورة بلا روح ولا فائدة فيه وإن كثر، وكل قول أو فعل عضده الحال فإنه مفتاح للخيرات وإن قل صورة، ولأجل هذا المعنى قيل في التربية: أصبعين من الحال خير من مائة ذراع من العلم. ولا تفهموا أن النجاة في كثرة العلوم بل النجاة إنما هي في وجدان ثمراتها فلا فائدة في كثرة الأشجار إذا لم تكن لها ثمرة، إذ شجرة مصونة خير من جنان مفرط كما قالت العامة في مثلها السائر. واعلموا أن الناس في هذا الوجود على فرقتين مالك ومملوك، فصاحب الحال مالك، وصاحب العلم مملوك.

واعلموا أن العلم في حقيقته نور، ولا يحجب بالنور إلا من لم يكن عين النور، وأما من كان عينه فلا يحجب بنور ولا بظلمة كما لا يخفى على من فتح الله بصيرته، وقد علمتم أن أعدى الأعادي نفسكم كما ورد في الخبر، فلا ينبغي لعاقل أن يكون غافلاً عنها لأن الغفلة عن العدو من المهانة في الدين، أعاننا الله وإياكم على سلوك سبيل النجاة آمين.