قال سيدي أيوب الخلوتي:
الاجتباء: الجمع بعد التفرقة، والجمع كما أعلمت شهود حق بلا خلق، والآدمي الصحيح نسبته إلى أبيه هو الذي شرب من مورده. فمن لم يشرب من هذا المشرب لم يرو أبدًا من آدميته.
وذلك أن الله تعالى لما أراد أن يظهر من خزائن علمه سر الخلافة، مهد لها عرشًا وفرشاً وكونا جامعًا مشتملاً على محيط تمتد منه دائرة الوجود، وجعل لأركان هذا الوجود نهاية لينفرد سبحانه وتعالى في ذاته وأسمائه بعدم التناهي، ونكتة الإيجاد أن يرى تعالى الأشياء في مرآة جامعة مشتملة على كمالات كونية تتجلى فيها صور الأسماء وأعيان الصفات وشؤون الذات المقدسة، وأطلق عليها اسم الإنسان الصغير والعالم الكبير، ورتبها على أسلوب الحكمة.
وكان من حكمته تعالى أن لا يقوم شخص بغير روح حتى تظهر الآثار والمؤثرات، فجعل لهذا العالم روحًا هو الإنسان الكامل، وتجلى عليه بالأسماء والصفات من وجه الذات تعريفا له بما هو الأمر عليه في نفسه، وأطلق عليه الإنسان الكبير لوسعه الحق الذي ضاق عنه غيره تعريفاً، فدارت عليه حقائق الكائنات وأسرار الموجودات، وصار خليفة عن ربه بما أركز فيه من السر المطلق، وهي الرقيقة الذاتية والحقيقة النورية التي بها رأى ربه ورأى الأشياء موجودة بوجوده الذاتي تعالى، فاجتمع له الكمال المطلق الجامع بين المرتبتين الحقية والخلقية.
وهذا الظهور المتصور كان في عالم الغيب الإلهي المتأخر اعتباره عن المبدأ الأول الذي كان فيه العرش العمائي المتشكل عن أثر النفس الرحماني وهو مرآة النور المحمدي، فإنه تعالى لما تجلى عليه بصورة الحب الذاتي من وجه الالتحام في انعكاس الصورة المرئية عن الرائي، ولم يكن عن حضرة الله الذاتية بغير واسطة إلا وجود ذاتي، فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو الصورة النورية الذاتية الظاهرة في المواجهة الإلهية، فقبضها الحق تعالى، وحمد نفسه على إيجادها حيث إنها على صورة التجلي الذاتي الكامل ، لتكون مرآة له يرى فيها ذاته ويظهر عنها أحكام أسمائه وصفاته غيبًا وشهادة، وسماها محمدًا من حيث إنه كان سببًا للحمد بالتجلي في المظهرية.
وهذا العطف الإلهي السابق أزله سار معناه في كل جمعية صادقة، أي كائنة على أصلها، وهو الحب الإلهي، فمن لم يكن فيه رقيقة من هذه المحبة الذاتية، لم يكن له نصيب من العطف، فهو مهجور الأبد لا يرثى له إلا الرحمة العامة، وهذا العطف نتيجة الوحدة المطلقة التي ظهرت عنها الكثرة في عين توحدها، فهي تصير الولي عينًا من أعيانها فيوجد عنه ما أراده من حيث هو متلبس بها، فالإيجاد لها وهو السبب الذي ظهر عنه ذلك الموجود.