الله جميل يحب الجمال - سيدي عبد الله البوسنوي

قال سيدي عبد الله البوسنوي في شرحه على تائية الشيخ الأكبر، عند قوله قدس سره:

وَمَا مُدْرَكٌ فِي الكَوْنِ إِلَّا جَمَالَها         وَمَا مُدْرِكٌ إِلَّا جَمَيل بُثَيْنَةَ

أي: وإذا كان الظهور والتجلي في صور الأكوان ، ومظاهر الحدثان كلها لتلك الحضرة الأزلية، والحقيقة الكلية الجامعة لجميع الحقائق، فلا يُدرك بعين الكامل المتحقق في مرايا صور الأكوان وأقداح مجالي حضرة الإمكان إلا جمال تلك الحقيقة ، وشعاع تلك الحضرة بتجليها في كل صورة منها بحسبها، فإنه يشاهدها في كل مظهر بحسبه. وما مدرك في صور مرايا الأكوان بعين المحب الصادق المغرم، والعاشق الواله المهيم وهو المرموز إليه بجميل إلا جمال بثينة فإن حبها وارتباط قلبه بها أخذه عن مشاهدة صور الأكوان غير صورة بثينة التي أخذته عن رؤية الأكوان ، فإنه أينما يتوجه لا يدرك غير جمالها.

ولما أوهم هذا البيت المغايرة بين بثينة التي هي صورة من صور الأكوان، وبين صاحبها وهو جميل الذي هو أيضًا صورة من صور الأكوان، وكان الظهور والتجلي في صورتهما وفي سائر الصور المظهرية الإمكانية للحقيقة الكلية والحضرة الذاتية ؛ أثبت الوحدة في للمتجلي في الصور باعتبار كونها مظاهر للحقيقة الواحدة، واعتبار ظهوره وتجليه في كل واحدة في تلك الصور على حسب استعدادها وقابليتها، فقال:

وَلَيْسَ جَمِيلٌ مِنْ بُثَيْنَةِ غَيْرَهَا         فَلَا تُنْسَبُ يَوْمًا إِلَى الثَّنْوِيَّةِ

أي: وليس جميل باعتبار تميزه من بثينة بالصورة الحسية البشرية التي تسمى بالجميل غير بثينة، باعتبار ظهورها فيه عند استهلاكه في حبها؛ كظهورها في نظره في سائر الصور، أو وليس جميل غير بثينة باعتبار الحقيقة الكلية التي ظهرت فيهما.

فلا تنسب يومًا إلى الثنوية بأن تدرك جميلاً وتظن أنه جميل بالصورة الحسية التي تسمى جميلاً، وأنه غير بثينة من حيث صورتها؛ لأن الجميل باعتبار استهلاكه في بثينة وحبها وظهورها فيه ليس غيرها، بل هو عينها. وكذا الحقيقة الكلية التي ظهرت في صورة المحب والمحبوب، بل ظهرت في جميع الصور في الكون، واحدة وظهورها وتجليها في المظاهر مختلف باختلاف المظاهر، فلا بد لك ألا تحتجب بالصور عن شهود تلك الحقيقة الواحدة المتجلية فيها، وشهودها فيها؛ حتى لا تنتسب يوم الاحتجاب إلى الثنوية وإثبات الوجودين.