طريق التفريد - سيدي أيوب الخلوتي

قال سيدي أيوب الخلوتي:

طريق التفريد الذكر الحقيقي الذي أشار إليه ذو النون المصري قدس الله سره العزيز قال: من ذكر الله على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء. فإذا أراد السالك السلوك إلى حقيقة الوحدة المطلقة التي هي مطلب الصديقين، بل الأفراد من المقربين اللاحقين في مقامات القربة بدرجات الأنبياء في ولاياتهم لا في نبواتهم ورسالاتهم، فتلك مرتبة لا يلحقون فيها من غيرهم أبدًا، شرع السالك وفقه الله في ذكر: "لا إله إلا الله" ملاحظا نفس نبيه صلى الله عليه وسلم، ماحيًا للسوى مثبتًا للألوهية السارية في ذوات الأكوان كلها تصريفًا واستعدادًا، ولا ذرة من ذرات الوجود إلا ولها قلب شاهد لربها بالألوهية سرًا، أعلمت نفس الشاهد فعملت على ذلك فسعدت أم لا، فإذا صار له هذا الذكر ديدنا وهجيرًا بحيث يقترن بأنفاسه كلما تنفس.

فعلامته أن يسري الذكر إلى قلبه، فيتسع القلب له وينفسح فضاؤه وتطيب أوقاته بحيث لا يحل بساحته نكد ولا كدورة من الأغيار، وينصبغ الذاكر إذ ذاك في نوره ويأخذه الهيمان فيذكر الجلالة الله الله، هكذا بقوة وحركة شديدة وربما تحرك الذاكر في الحس عند ذلك بحركة غير مألوفة له، ودار وربما صفق وطرب وغاب عن حاضريه وحواسه إلا من وهو مؤيد بالقوة الإلهية، فإن كان مؤيداً لم يظهر عليه شيء من ذلك بل يرتقي بالعناية الأزلية إلى ذكر الروح والعقل والسر واللب، والذكر الإلهي فوق ذلك لا يعلمه إلا هو تعالى.

فاجهد أيها الطالب أن تستغرق في هذه البحور اللطيفة فتحصل الجواهر اليتيمة التي لا توجد إلا في هذه الأبحر، أو تسافر على ظهر هذا البحر على سفينة التحقيق فترسي في ساحل الألوهية، فتحصل على الإكسير الأظهر من كنز الحق، وهذا أحق وأحرى وأجدر وأولى ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكنك تحتاج إلى صبر شديد يخترق بك الظلماء، ويجوب بك المهمه الفسيح، فإن عانقت الصبر والتزمت الحمد والشكر، ونزلت المنازل وقطعت المقامات ونازلت الأحوال واطلعت على ما أودع المولى فيها للصادقين وما ادخر فيها للمخلصين هديت إلى الصواب، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، ولا تقنع بشيء دون الحق، فتكون مغبونًا، فإنك إن حصلت على المشاهدة الإلهية حصلت على المفرد الجامع، فلا يفوتك في الدار: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}، فإياك ثم إياك والوقوف مع السوى والرضى بالغير عوضًا عن الحق.