قال الشيخ علي بن محمد الحجازي في شرحه على رسالة الشيخ رسلان:
إن الله لما جمع في الإنسان ما هو مثال العام فجعله العالم الأكبر، إذ كان خليفة ربه في خلقه بدليل: {إني جاعل في الأرض خليفه}، وكان فيه من الصفات والنعوت المجازية ما وصف به الحق نفسه وكانت له واجبة حقيقية، قال عليه الصلاة والسلام: "خلق الله آدم على صورته"، وقال حجة الإسلام الإمام الغزالي رصي الله عنه: "المراد بالتسوية في هذه الصورة هي الصورة المعنوية، والإشارة به إلى المضاهاة، ويرجع ذلك إلى الذات والصفات والأفعال".
فالمضاهاة مشتركة، والاشتراك بالرسم لا يوجب الاشتراك بالماهية والحقيقة، فالحق جل وعلا لا يتقيد بصورة، ولا تحويه سريرة، ولا يحاط به علماً، ويتنزه عن أن يكون روحاً أو جسماً، وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام: "أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه"، فلولا المضاهاة المذكورة لم يقدر الإنسان على الترقي من معرفة نفسه على معرفة ربه، وهي الرحمة التي اختص بها تعالى الأمناء من العالم، فإذا علمت أن لك صفات ذات تضاهي صفات ذاته، وصفات أفعال تضاهي صفات أفعاله، وأن ذاتك وصفاتها وأفعالها من تأثير قدرته وإرادته، وأنها مجازية لا حقيقية، وأن وجود الله تعالى هو الحق الحقيقي، فاخرج عنه، أي لا تشاركه في صفاته، {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}، ولا تستر الحق بالباطل فتهلك.
ومن جملة صفاته المتفرد بها دون الخلق التدبير، إذ العبد ليس من شأنه الاختيار، ولا حكم له، فإن الحكم يناقض مقام العبودية، أي مقام الحرية، إذ الحرية معناها الخلوص من رق الأغيار، فلا بد في حريتك من خروجك عنك.