من آداب العارف عدم التفرقة - سيدي أبو بكر البناني

قال سيدي أبو بكر البناني قدس سره:

من آداب العارف عدم التفرقة إذ التفرقة شأن عالم الفرق الذي فيه يقع السير إلى عالم الجمع وبحاله يحصل الغني الأكبر، . فمن كان هذا حاله لا يصح للسان العلم أن يكون معبراً عن معانيه وإنما يعبر عنه لسان الحال لاتحاد أحواله، فكل حالة ظهرت عليه فهي أشرف من غيرها لأن فضله ذاتي لا تلحقه العلل، فالعارف الكامل لا يتشرف بالأحوال بل الأحوال به تتشرف كما لا يخفى على من ذاق من مشربهم الصافي.

فشدوا إخواني دعائم العزم في طلب الحق فإن الله لا يمل حتى تملوا فكلما حصل الصدق في الطلب انفتح للطالب وجه من أوجه المعنى وكلما واجهتك المعاني قدرت على خرق عوائد وجودك وبقدر خرق عوائد الوجود تتحقق العبودية لله الواحد المعبود وبقدر التحقق بالعبودية يحصل الاستغراق في بلد الشهود.

فإياك يا أخي أن تفهم أن أحداً أشرقت عليه شمس الحقيقة في سماء قلبه وهو ملوث بالحس وكدوراته، لا والله لا والله لا والله، إذ الحس والمعنى ضدان وهما لا يجتمعان أبداً. وقد زل قدم أرباب الدعاوي في مثل هذا المعنى حيث رأوا بعض العارفين جمعوا بين الحس والمعنى ولم يحجبهم الفرق عن الجمع أو نقول الحس عن المعنى أو نقول الشريعة عن الحقيقة، ظناً منهم أن الحال مشاكل فقاسوا نفوسهم الخبيثة بنفوس أهل الله التي سماها ربنا بالنفوس المطمئنة أي الساكنة لأنها عند ربها فلم تبرح عن حضرته فراموا بنفوسهم الجمع بين الضدين من حيث الضدية فهلكوا وخسروا بما ربح به غيرهم إذا ما علموا أن مبنى أمر أهل الله على عدم الغيرية بحيث صارت بشريتهم عين روحانيتهم وفرقهم عين جمعهم وشريعتهم عين حقيقتهم بحيث إن ساروا بسير الشريعة استفادوا منه ما يستفيدونه من سير الحقيقة وكذا العكس لاتحاد المعنى من حيث الوصلة والقربة إذ الوصف الذي يوجب التعدد الذاتي هو النفس وقد ذابت بعظمة الحق التي أشرقت شمسها في قلوبهم، فالتعدد إن ظهر منهم اعتباري وهو غير قادح في الوحدة فلذلك سعدوا بالحظوظ كما سعدوا بالحقوق .