قال سيدي علي البندنيجي القادري قدس سره:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان الله كان الله له"، أي إذا فني العبد عن أنانيته و أنيته وإضافة الوجود إلى نفسه يتجلى الحق له بالذات المطلقة، ولذا قال بعضهم: لا يعرف التوحيد إلا من كان واحدا إذ كل من وحد الحق وقال أنا الموحد فهو جاحد، وقال آخر: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب فيصح التوحيد بمحو الغيرية آفاقا كان أو نفسيا حتى تشاهد الحق بالحق ، فشهود الحق من حيث أنه أحد في ذاته وواحد في صفاته، وذلك لمن كان فانيا عن ذاته وصفاته وأفعاله وشاهد الحق بالحق وكان الحق له في هذا المشهد بصره وفي التوحيد لسانه، وصاحب هذا المشهد لا ينحجب برؤية المصنوعات عن رؤية صانعها لا بمعنى أنه لا يرى الأشياء بالكلية بل يرى الأشياء ولكن قيامها بالحق، لأن من تحقق بمشهد نور وجه الباقي لم يرى الغير لأن من سجد لله لم يرفع رأسه من السجود لا في الدنيا ولا في الأخرى، وإذا كان لم يرفع رأسه كيف يرى غير وجود الحق؟
فمن صار مقيدا بفنائه في الله من حيث الذات والصفات والأفعال حصل له البقاء الذي هو عين الجمع بعد زوال التقييد بالضدين الظاهر والباطن، واعلم أن هذا المقام هو مجمع البحرین بحر القيد و بحر الإطلاق وهو برزخ بين الخلق والحق وهو عالم العماء، وفي هذا المقام يتصف الممكن المقيد بأوصاف الإلهية التي بأيدينا فمن جملتها الإطلاق من حيث العروج ويتصف الواجب المطلق في هذا المقام بالتعجب والمجيء والتبشيش و الضحك والفرح و المعية و أكثر النعوت الكونية من حيث النزول.
ولقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ويقول هل من تائب فأتوب عليه وهل من داع فأجيب له وهل من مستغفر فأغفر له؟" يعني: أن الله ينزل نزولاً معنویاً نوریاً روحانیاً من مقام أحديته المطلقة الثابتة في ليل غيبه الإطلاقي ، ويظهر ويتجلى في مقام واحديته الملتبسة بعوالم المظاهر المشار إليه بالعماء فيقول بكلام أزلي أبدي غير مكيف بكيفية الصوت والسمت هل من تائب، أي راجع إلي من مقام النفس وصفاتها بترك مخالفات الطبيعة إلى حفظ الموافقات الشرعية فأتوب إليه أي أتجلى عليه بأنوار الأسماء والصفات الجبروتية، وهل من داع طالب مستحق لفيض رحمتي وفضل رأفتي في مقام القلب وصفاته، فأجيبه بشوارق التجليات الأسمائية وبوارق التنزلات الصفاتية لإفناء صفاته الخلقية في بقاء صفاتي الحقيقة اللاهوتية، وهل من مستغفر طالب الغفر و الستر في مقام الروح فأستره برداء كبريائي وإزار عظمتي ليخرج عن أنيته المضافة فيتحقق بوجودي عن شعار التعين ودثار التقيد بأفعاله في مقام النفس وبأسمائه في مقام القلب وبصفاته في مقام الروح وبسر ذاته في مقام السر فيبقى هو بلا هو.