وربك يخلق ما يشاء ويختار - الشيخ حسين بن طعمة البيتماني

قال الشيخ حسين بن طعمة البيتماني في شرحه على التدبيرات الإلهية:

اختيار الإنسان أي إرادته التي يتوجه بها على فعل كل شيء، وهي نفسه الفعالة لما يقتضيه حال كل إنسان من بني آدم على حسب اللائق به بإلهام من الله تعالى كما قال عزّ وجلّ: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاها}، فلذلك تعددت مراتب النفس على حسب مرتبة كل إنسان، فالإنسان لا يفعل شيئاً إلا باختياره أي بقصده وقوة نفسه وتوجه إرادته ومن ثم نسب الفعل إليه، فيثاب أو يعاقب عليه.

وهذه الإرادة هي هو السر الإلهي المودع في الإنسانـ وهي المشار إليه بذلك السر وبالنور ، فإذا نسب العبد هذا السر إلى الله تعالى بأن شهده في نفسه خلق الله وفعل الله وتقدير الله وحكم الله وظهور الله وتجليات الله كان ذلك خيراً ولا يصدر منه إلا خير، لأن صاحب هذا المقام يرى هذا الاختيار الذي له هو اختيار ربه تعالى لا اختيار نفسه، وذلك هو النفخ الإلهي الذي قال تعالى فيه: {فَإِذَا سَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}، وكما قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}، وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ}، وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أي وخلق عملكم أيضاً.

وخلقه تعالى عـلـمـه، وعـلـمـه تـابـع لمعلوماته، ومعلوماته لا تظهر إلا بإرادته، وإرادته اختياره، واختياره يجري بيد مخلوقاته فافهم.

ومن كان هذا مشهده لا يصدر منه إلا الخير كما قال تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} وإن نسبه العبد إلى نفسه بأن ادعاه بطريق الاستقلال لنفسه ولم ينسبه إلى الله تعالى كما هو حال الغافلين كان شراً، ومن كان هذا مشهده لا يصدر منه إلا الشر ، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} لأن كل ما يصدر منه يكون بالدعوى ويسأل عنه يوم القيامة .